حوار جارح وحوار مضيء
في كلّ يومٍ تلتقي فيه بصاحب أو رفيق، أو تجتمع فيه بجليس أو نديم، وتجد نفسك تخوض غمار نقاش في قضيّة، أو معترك جدال حول فكرة، أو مشتبك حوار حول موضوع؛ لترى نفسك مُثاراً حيناً ومُستفزّاً حيناً آخر، ويأخذك الغضب حيناً، ويلفّك الأنس حيناً آخر، وتنال الفائدة مرّة، وتلحق بك الأذيّة مرّة أخرى.
فما أقسى ذاك الجدال الجارح الذي ينسلّ فيه صاحبك من حقول الفكر، وينافي الوعي، ويقف على تلال التعصّب، ويتترّس بصخور التزمت، ليرميك بسهام الاتّهام، ويقذفك بنبال الافتراء، فيلبسك أثواباً من الجهل لم تحكها، أو يلقيك في كهوفٍ لم تسلك دروبها، ويسقطك في مستنقعاتٍ كنت دائماً تتجنّبها، ويوقعك في وحول طالما كنت تبتعد عنها.
وما أصعب النقاش المقيت الذي يفقد فيه صاحبك مصباح الدليل الواضح، وينكسر في يده سيف الدليل القاطع، وتنطفئ في سمائه شمس الرأي السديد، فيتيه في دروب مظلمة، ويضيع في شعاب ملتوية، فترى نفسك تهرب إلى ظلال الإعراض، وتلجأ إلى ضفاف الصمت، طاوياً أشرعة الحديث، وملقياً بمراسي الكلام، طلباً لسواحل السكون وشواطئ الهدوء.
وما أروع الحوار الهادئ الهادف، حين ترى أنّك وصاحبك كأنّكما في زورق واحد، وكلٌّ يجدّف برأيه وصولاً إلى شاطئ الحقيقة، أو كأنّكما في ميدان معركة مشتركة وكلٌّ يرفع راية دليلِه انتصاراً للحقّ ودفاعاً عن اليقين، أو كأنّكما في دربٍ مظلمةٍ وكلٌّ يقدح زناد برهانه حتّى ينبلج فجر الصواب.
فالتفت لنفسك حين تحاور، ألاّ تجرح أحداً في مشاعره، أو تناله في شخصه، وكن على حذرٍ حين تجادل، ألاّ تضرب بغير سيف الدليل، وألاّ تستضيء بغير مصباح الحجّة، وألا ترفع غير راية البرهان. وانتبه حين تناقش، ألاّ يكون هدفك غير الحقيقة، وألاّ يكون مرامك غير السداد وغير الوصول إلى الصواب.
الموضوع :
حوار جارح وحوار مضيء &&&&& المصدر :
منتديات ابن الفرات ودجله