نقل من أربعينيات العالم الفاضل والعارف الكامل القاضي سعيد القمي " رحمه الله " أنه قال : بلغنا ممن هو ثقه وفي موضع الاعتماد ، عن استاذ الأساتذه الشيخ بهاء المِلة والدين العاملي " قدس سره " أنه ذهب لزيارة لبعض العارفين وقـد اتخذ هـذا العارف مقبرة من مقابر اصفهان مقراً له ومأوى ويأوي إليه . فقال العارف للشيخ : شاهدت في هـذه المقبرة أمراً غريباً ، وذلك أني رأيت جماعة أتوا بجنازة ودفنوها في الموضع الفلاني ، وغادروا الموضع . فما مضت ساعة إلا وشعرت برائحة طيبة زكية تفوق الروائح المعهودة ، فتحيرت ، ونظرت يميناً وشمالاً لأطلع على مصدر تلك الرائحة ، وإذا بشاب وسيم جميل مليح في هيئة الملوك يتجه الى ذلك القبر إلى ان وصله وجلس إلى جانبه ، وانمحة عن بصري ومرآي ، وكأنه دخل القبر .ولم تنقضِ على هـذه الحادثة لحظات إلا وشممت رائحة خبيثة منتنة من أعفن الروائح ، فنظرت وإذا بكلب يسير على أثر الشاب ، حتى وصل القبر واختفى . فزادني عجبي . وكنت في هـذه الحال فإذا بالشاب قد خرج وهو في هيئة سيئة عليه الجروح وعاد الى حيث أتى : فعقبته ورجوته أن يبوح لي بالحقيقة ، فقال : أنا العمل الصالح لهـذا الميت ، أمرت أن أجاريه في حفرته وإذا بالكلب الذي رأيته قد أتى ، وهو يمثل عمله السيء ، فأردت إبعاده لأفي بحق مصاحبته ، فعضني الكلب ، وجرحني ، وقطع قطعة من لحمي كما ترى ، ولم يدعني ان اصاحبه ، ولم أقدر البقاء معه ، وتركته ، فلما قص العارف الحكاية على الشيخ ، قال الشيخ : صدقت ، فنحن قائلون بتجسد الاعمال وتصورها بالصورة المناسبة بحسب الأحوال .
قال المؤلف : إن هـذه الحكاية تؤيد ما رواه الصدوق في مفتتح أماليه ، وملخصه إن قيس بن عاصم المنقري جاء ، مع رهط من بني تميم ، إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وطلبوا إليه أن يعظهم موعظة نافعة ، فوعظهم النبي صلى الله عليه وآله بكلماته ، ومنها ما قال : يا قيس ! لا بد لك من قرين يدفن معك وهو حي ، وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريماً يكرمك ، وإن كان لئيماً يهملك ، ولا تُحشُرُ ألا وأنت معه ، ولا تعبث إلا معه ، ولا تُسأل إلا عنه ، فلا تجعله إلا أن يكون صالحاً ، لأنه إن كان صالحاً ، تأنس به ، وتستأنس معه ، وإن كان فاسداً لا تستوحش إلا منه ، وذاك عملك .. قال قيس : يا نبي الله : لوددتُ ألأن تنظيم هـذه الموعظة شعراً لنتباهى بهذا الشعر على من عندنا من العرب ونجعلها مدخراً لنا . فأمر الرسول باحضار حسان فنظمها صلصال بن دلهمس الشاعر ، وكان حاضراً في المجلس ، وقال :
تخـير خليطـاً مـن فعـالك لإنــما ****** قرين الفتى في القبر ما كان يفعلُ
ولا بد بعـد الموت مـن أن تعـده ****** ليـوم يُـنـادي الـمـرءُ فـيه فَـيـُقِـيـلُ
فإن كنت مشغولاً بشيء فلا تكن ****** بغـير الـذي يرضى به اللهُ تشغــلُ
فـلن يَصَحب الإنسانَ بعـد موته ****** ومن قـبـِله ، إلا الـذي كان يَعمَـلُ
ألا إنـما الإنسـانُ ضـيفٌ لأِهـله ****** يـُقـيـمُ قـيـلاً بـيـنـَهـمْ ثــمُّ يـَرحَــلُ (1)
روي الصدوق " رحمه الله " عن الصادق (عليه السلام) عن آل محمد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عيسى بن مريم (عليهما السلام) مر بقير ، كان يعذب صاحبه ، ومر به ثانية بعد سنة ، فرأى أن العذاب قد رفع عنه ، فقال : اللهم أني قد مررت بهذا القبر قبل سنة ، كان صاحبه يعذب ، و مررت هذه السنة فوجدته مرفوع العذاب ؟ فأوحى إليه أن يا روح الله ، كان لصاحب هذا القبر ولد صالح صغير ، فبلغ سن الرشد ، وأصلح طريقاً للمسافرين والمارة ، وآوى يتيماَ ، فرحمتُ أباه وغفرت له لما عملهُ ولدُهُ من خير وبر . (2)
الموضوع :
حكايات من البرزخ .. المصدر :
منتديات ابن الفرات ودجله